تُعد هيئة الحكومة الرقمية في المملكة العربية السعودية الجهة الرائدة في تنظيم وتطوير العمليات الرقمية الحكومية، بهدف تحقيق حكومة رقمية استباقية توفر خدمات عالية الكفاءة وتعزز التكامل بين الجهات الحكومية. تأسست الهيئة بقرار مجلس الوزراء رقم (418) بتاريخ 25/7/1442هـ (9 مارس 2021م)، وتُشرف على تنفيذ استراتيجيات التحول الرقمي بما يتماشى مع رؤية السعودية 2030. يُعتبر التقرير السنوي لهيئة الحكومة الرقمية وثيقة حيوية تُسلط الضوء على إنجازات الهيئة، التحديات التي تواجهها، والخطط المستقبلية لتعزيز التحول الرقمي. في هذا المقال، نستعرض التقرير السنوي لعام 2024، مع التركيز على أبرز المؤشرات، الإنجازات، والدور الاستراتيجي للهيئة في بناء مستقبل رقمي متقدم.
دور هيئة الحكومة الرقمية
تتخذ هيئة الحكومة الرقمية من الرياض مقرًا لها، ويترأس مجلس إدارتها معالي وزير الاتصالات وتقنية المعلومات، وتضم في عضويته ممثلين عن عدة جهات حكومية، مثل وزراء التجارة، المالية، الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، ورئيس هيئة البيانات والذكاء الاصطناعي، وغيرهم. تهدف الهيئة إلى:
- تعزيز الأداء الرقمي: من خلال تطوير بنية تحتية رقمية متقدمة تدعم الجهات الحكومية.
- تحسين تجربة المستفيد: بتوفير خدمات رقمية متكاملة تتمحور حول احتياجات المواطنين والمقيمين.
- تحقيق الريادة العالمية: بوضع المملكة ضمن أفضل 10 حكومات رقمية عالميًا بحلول 2030.
حققت الهيئة في عام 2024 تقدمًا ملحوظًا، حيث ساهمت في رفع تصنيف المملكة إلى المركز السادس عالميًا في مؤشر الأمم المتحدة لتطوير الحكومة الإلكترونية (EGDI)، والمركز الرابع في مؤشر الخدمات الرقمية (OSI)، مع قفزة بـ67 مركزًا مقارنة بالسنوات السابقة.
التقرير السنوي 2024: نظرة شاملة
يُركز التقرير السنوي لعام 2024 على استعراض الإنجازات الرئيسية في مجالات التحول الرقمي، الحوكمة الرقمية، وتبني التقنيات الناشئة. كما يوثق التقدم في تحقيق أهداف رؤية 2030، مع تقديم تحليلات للتحديات وخطط التطوير المستقبلية. فيما يلي أبرز النقاط التي تناولها التقرير:
1. تعزيز الحوكمة الرقمية
حققت المملكة وفورات مالية بقيمة 7.8 مليارات ريال خلال 2024، نتيجة تعزيز حوكمة المشاريع والخدمات الرقمية. تضمنت هذه الجهود إلغاء 236 منصة حكومية مكررة، مما قلل من التشتت التقني وزاد من كفاءة الإنفاق. كما ارتفعت نسبة تبني الحوسبة السحابية بين الجهات الحكومية إلى 38%، مما يعكس التزام الهيئة بتطوير بنية تحتية رقمية مرنة ومستدامة.
أطلقت الهيئة مركز الاستثمار والمشتريات الحكومية الرقمية (سدف) في عام 2022، والذي ساهم في زيادة المشتريات عبر الاتفاقيات الإطارية بنسبة 70%، وتحويل نموذج الخدمات التقنية من النفقات الرأسمالية إلى التشغيلية بنسبة 72%. يهدف المركز إلى تعزيز مشاركة القطاع الخاص في المشاريع الرقمية وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية.
2. تطوير الخدمات الرقمية
قدمت الهيئة خدمات رقمية متطورة عبر منصات موحدة مثل “أبشر” و”توكلنا”، حيث استفاد أكثر من 19 مليون مستخدم من تطبيق توكلنا، وتم إجراء أكثر من 300 مليون عملية توثيق عبر خدمة “النفاذ الوطني الموحد”. ساهمت هذه المنصات في تسهيل الوصول إلى الخدمات الحكومية، مثل إصدار الشهادات الرقمية، تقديم الشكاوى، وتحسين تجربة المستفيد.
كما أطلقت الهيئة خدمة تتيح للجهات الحكومية تقديم طلبات إصدار الطوابع الرقمية وشهادات تسجيل المنصات، بالإضافة إلى خدمة تصنيف موردي تقنية المعلومات والاتصالات، مما يعزز من جودة الخدمات التقنية المقدمة.
3. تبني التقنيات الناشئة
أصدرت الهيئة تقريرًا حول جاهزية تبني التقنيات الناشئة لعام 2023، والذي قيّم قدرات الجهات الحكومية في مجالات البحث، الاتصال، التجريب، والتكامل. تضمنت التقنيات الأكثر استخدامًا الذكاء الاصطناعي، إنترنت الأشياء، البلوكتشين، والواقع المعزز. من الأمثلة على التطبيقات:
- نظام إدارة الرسائل النصية باستخدام البلوكتشين.
- خدمات صحية افتراضية.
- التنبؤ بالقرارات القضائية باستخدام الذكاء الاصطناعي.
- أنظمة النقل الذكية واللوحات الذكية.
حققت ministries مثل الصناعة والثروة المعدنية، البيئة والمياه والزراعة، التعليم، والسياحة درجة “كفؤ” في تقييم جاهزية التقنيات الناشئة، مما يعكس تقدمًا ملحوظًا في التكامل التقني.
4. الأمن السيبراني وحماية البيانات
مع تزايد الاعتماد على الخدمات الرقمية، ركزت الهيئة على تعزيز الأمن السيبراني وحماية البيانات. بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأمن السيبراني، نفذت الهيئة لوائح صارمة لضمان خصوصية المستفيدين وأمن الأصول الرقمية. ساهمت هذه الجهود في تقليل مخاطر الهجمات السيبرانية وتعزيز مرونة البنية التحتية الرقمية.
5. التصنيفات العالمية
حافظت المملكة على المركز الأول في مؤشر نضج الخدمات الإلكترونية والمتنقلة (GEMS) للعام الثالث على التوالي (2022-2023) وفقًا لـ تقارير الإسكوا، وحققت أعلى نتيجة تاريخية في مؤشر الأمم المتحدة لتطوير الحكومة الإلكترونية منذ إطلاقه قبل 20 عامًا. كما حققت المملكة نضجًا تنظيميًا كاملاً وإتاحة بيانات مفتوحة بنسبة 100% للمواطنين والشركات، مع تقدم بـ60 مركزًا في مؤشر المشاركة الإلكترونية.
الإنجازات البارزة في 2024
- برنامج نمو: يهدف إلى بناء وتطوير الكفاءات الوطنية في مجالات الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي.
- العمارة المؤسسية الوطنية: مرجع وطني لتطبيق العمارة المؤسسية في القطاع الحكومي، مما يعزز التكامل بين الأنظمة.
- ساندبوكس التنظيمي: مبادرة لدعم شركات التقنية الحكومية في تطوير حلول رقمية مبتكرة في بيئة خاضعة للرقابة.
- مركز الابتكار والتقنيات الناشئة: يعمل كمنصة وطنية لتسريع تبني التقنيات الحديثة وتعزيز ثقافة الابتكار بين الجهات الحكومية.
- إطلاق منطقة الحوسبة السحابية الخاصة: أُطلقت في مايو 2023 بالتعاون مع هيئة المدن الاقتصادية والمناطق الخاصة، مما يتيح لمقدمي الخدمات السحابية إنشاء مراكز بيانات متقدمة.
التحديات والتوصيات
رغم الإنجازات، واجهت الهيئة تحديات مثل الحاجة إلى تسريع وتيرة التحول الرقمي في بعض الجهات الحكومية، وتطوير الكفاءات البشرية لمواكبة التطورات التقنية. كما أن تزايد التهديدات السيبرانية يتطلب استثمارات إضافية في الأمن السيبراني.
التوصيات:
- تعزيز التدريب: تطوير برامج تدريبية متخصصة في التقنيات الناشئة لموظفي القطاع الحكومي.
- توسيع الشراكات: تعزيز التعاون مع القطاع الخاص والشركات العالمية لنقل المعرفة وتطوير الحلول التقنية.
- تحسين تجربة المستفيد: التركيز على تصميم خدمات رقمية تتمحور حول احتياجات المستخدمين باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.
- تعزيز الأمن السيبراني: تطوير أنظمة حماية متقدمة لمواجهة التهديدات السيبرانية المتزايدة.
الخاتمة
يُبرز التقرير السنوي لهيئة الحكومة الرقمية التزام المملكة بتحقيق التحول الرقمي وفق أعلى المعايير العالمية. من خلال تعزيز الحوكمة الرقمية، تطوير الخدمات الرقمية، وتبني التقنيات الناشئة، تساهم الهيئة في بناء حكومة رقمية متكاملة تدعم أهداف رؤية 2030. مع استمرار التحديات العالمية والمحلية، تبقى هيئة الحكومة الرقمية في طليعة الجهات التي تقود المملكة نحو مستقبل رقمي مبتكر ومستدام، مما يعزز جودة الحياة ويرفع كفاءة الخدمات الحكومية للمواطنين والمقيمين.